--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمان الرحيم وبه نستعين
وصلى الله وسلم على النبي الأمين
شفيع الورى يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم
الاحــتــفــال بالمــولــد النــبــوي
جزء مفرغ من محاضرة
لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان
البدعُ التي تقعُ في العبادات على قسمين:
إمَّا أنْ يبتدع عبادةً لم يَشْرَعِ اللهُ ورسولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جنسَها أصلًا، يعني:
يأتي بعبادة لم يَشْرَع الشَّارعُ جنسَها، وإنما اخترعها،
أَتَى بها من كِيسِهِ هو! اخترعها اختراعًا وأَلَّفَها تأليفًا،
مثلُ الرهبانية مثلًا، مثلُ التقبيح والتحسين العقلِيَّين،
هذا ليس له أصلٌ في الشرع مطلقًا، ولذلك يُقال لِمَا كان كذلك:
«هذه بدعةٌ أصلية»، فهذا هو الصِّنف الأول من أصناف الابتداع
في العبادات:
أنْ يبتدع المبتدعُ بدعةً لم يَشْرَعِ اللهُ ورسولُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنسَها أصلًا.
وإمَّا أنْ يبتدعها - وهذا هو الصِّنف الثاني -
على وجه يُغَيِّرُ ما شَرَعَهَا اللهُ ربُّ العالمـــين ورسولُهُ،
يكونُ أصلُ العبادةِ مشروعًا ولكن يُغَيِّرُ في شيءٍ من أوصافِها
السِّتَةِ التي مَرَّ ذكرُها، يكونُ هذا العمل مشروعًا
ولكن يُغَيِّرُ في وَصْفِهِ فلا يكونُ على ما جاءَ به
النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مثالُ الأول - البدعة الأصلية التي ليس لها أصل في
الشريعة -: ما أحدثه الناسُ في هذا الشهرِ من بدعةِ الميلاد،
في الاحتفال بعيد ميلاد النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فهذه لم ترد أصلًا لا في القرآن, ولا في السُّنَّة,
ولا في عمل الصحابة, ولا في عمل التابعين,
ولا في عمل تابعي التابعين،
كل القرون المفضلة مضت وليس فيها عيدُ ميلادٍ
للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن حدثت في القرن الرابع
من الهجرة, أحدثها الروافضُ العُبَيدِيُّون الذين انتمَوا
زُورًا وإفكًا وبهتانًا إلى فاطمةَ الزهراء فَتَسَمَّوا
بـ (الفاطميين)، فهؤلاء هم الذين أدخلوا هذا الأمرَ
أولَ ما أُدْخِلَ على دين اللهِ ربِّ العالمـــين،
وتتابع الناسُ عليها لأنها كُسِيت بما يَدُلُّ على العاطفة
وعلى التقدمِ على هذا الأمر, وهو:
محبةُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وهل هنالك مسلمٌ لا يحبُّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ؟!
والحقيقةُ أنَّ محبةَ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ
علامتُها التأدبُ مع رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وألّا يُجرى في شريعتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,
ولا يُدخل في شريعة النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس منها.
فنقولُ مثلًا:
الاحتفال بعيد ميلاد النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ
هل كان الرّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يعلمُ أنَّه مما يُقَرِّبُ إلى الله أو لا؟
الاحتفال بعيد ميلاد الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
تسأل:
هل كان النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يعلمُ أنَّ هذا الاحتفال يُقَرِّبُ إلى الله أو لا يعلم؟
إنْ قالوا لا يعلم,
فأمرٌ عظيم؛
لأنهم عَلِمُوا ما لم يَعْلَمْهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وإن قالوا يعلم،
قلنا:
إذن؛ تَرَكَها وهو يعلمُ أنها مشروعة دون أنْ يُبَلِّغَ رسالةَ ربِّه؟!
فإن لم يفعل فما بَلَّغَ رسالةَ ربِّه!
يعني أنت تسأل تقول:
عيد المولد، عيد ميلادُ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ
هل كان النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ
يَعْلَمُهُ أو لا يَعْلَمُهُ؟
إن قالوا:
كان النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلمه،
نقول: اهتديتم إلى ما لم يهتدِ إليه رسولُ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ وهو الناطق بالوحي؟!
وإنْ قالوا: كان يعلم.
كان يعلم وكتم؟!
هل هنالك مسلمٌ يتَّهمُ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بمثل هذا الاتهام؟!
فأنتم إنْ قلتم ذلك تقدحون في رسولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، فأين هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من هذا المُبْتَدَع - وهو الاحتفال بعيد ميلاد الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!
هذا جميعُه إذا لم تشتمل هذه البدعة على أمورٍ أخرى مُحرَّمة،
فكيف إذا اشتملت على محرماتٍ أخرى لا تُحصى؟!!
حينئذٍ تزداد نُكرًا، مثل الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء،
والأذكار المحرَّفة التي يقع فيها الرَّقصُ والتصفيقُ
وأعمالٌ تشبه الجنون،
ويقولون إنهم يجتمعون ثم يَفِزُّونَ فَزَّةَ رجلٍ واحد لماذا؟!
قالوا لأنَّ الرَّسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حَضَر!!
ويأتون بأشعارٍ وحكايات فيها مخالفاتٌ صارخةٌ للعقيدةِ الصحيحةِ،
فهذه بدعةٌ لم يَشْرَعِ اللهُ ورسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جنسَها أصلًا، وتسمى: «بدعةٌ أصلية»،
تسمى هذه: «بدعة أصلية».
جزى الله الشيخ عنا خيرا
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال